ما يطمئنني أنك لن تقرأي هذا الكلام. لا، لم أتمن موتك، علماً أنني توقعته، ارتقبته، لست منجماً، هذا ما يقوله العلم. وهذا ما لاحظته يومياً، في تلاشيك المستمر.
في الليلة الأخيرة، كتبت رسالة لميريام- صديقتي التي ألجأ إليها عندما أريد من يصلّي عني- لكنني لم أرسلها. كنت أسمع وداعك، حتى حين أدرت ظهري، ووضعت رأسي تحت المخدّة، متمنياً أن ينتهي هذا الكابوس.
لكنه لا ينتهي.
ما زلت أدير ظهري، للفراغ، منتظراً نوم أمي، حتى أكتب، ما أكتبه الآن. عنك.
تسير بي السيارة، في طرقاتنا المعتادة، أرى يدك، تشير إلى بيت، ودرب وشجرة ونبع ومنعطف وغيوم وضباب.
لكن المقعد فارغ، والصمت مهيمن.
يريحني أنك لن تقرأي هذا الكلام، حتى أنني لم أعرّفك إلى رثائي لباسم ووالدي وخالي وخالتي، لم أشأ أن تتألمي، كنت تعرفين أنني أكتب، حين أصمت لأيام وتتغير نبرة صوتي. كنت تلجئين إلى الكتب، المئات منها، تخرجين منها الحزن والفرح والحب، وتعودين إلى الانتظار الطويل. هذا هو «حظ المساكين».
ذات يوم، وفي تلك الطريق المستقيمة، أطلّ جبل صنين، صحت: «أين الثلج؟»
لحظتها سقطت دمعتي على ما تبقّى من ثلج، أو هذا ما تخيلت، وعندما وصلنا كتبت «رحلة دمعة» إلى روح سارة حجازي، هذا هو حظ المساكين، مجرّد رحلة، مجرّد دمعة. ليس إلّا.
أمّا اليوم، لا ثلج في صنين، أصلاً لا ثلج منذ زمن، مجرّد رحلة، ولا دموع، مجرد دموع مخنوقة لتوخي الدقّة، لا يد تدل، ولا صوت يشرح.
كلّ يوم، كانت تبثّ الإذاعة أغنية صباح «جنينة حبيبي»، كانت تسعدك كثيراً خاصةً جملة «مانغا مصرية بلونين»، ذلك لأنك تنتظرين تذوقها في فترة بعد الظهر، كنت أسخر من الأغنية، قائلاً لك: «هي مجرد نسخة ستينية من أغنية الحلم العربي».
كنت تردّين: «شو هو الحلم العربي؟».
كم يبدو سؤالك صعباً اليوم، خاصةً بعد أن التقيت بصديقاتك الراحلات. إذ بتِّ راحلة أيضاً. ستكونين مسرورة في لقائكن من جديد. لم تتسع الأرض لأحلامكن، لم يعم الحزن عليكن، لم يعلن أي مرسوم حداد. كنت محظوظة أن لك قبراً وثوباً لائقاً، وزهرة بيضاء، هذا هو كل حظك. فالسماء، وحدها، جنّة الفقراء.