في إصدارٍ حديث لدار «مرفأ» اللبنانية، تجتمع مختارات للشاعر الحائز جائزة «رامبو» (1991)، تحت عنوان «أحمد يماني - مختارات شعرية». تقدّم الدار صورة عن تجربة أحمد يماني، الشاعر والأكاديمي المصري الرائد في الحداثة الشعريّة العربيّة.
تقع صفحات الكتاب في 448 صفحة. يتضمن تقديماً من قبل الشاعر والمترجم العراقي كاظم جهاد، وتظهيراً من قبل الشاعر والروائي اللبناني عبّاس بيضون. يتناول جهاد تجربة يماني من زاوية نفسيّة – اجتماعيّة، أمّا بيضون فيسلّط الضوء على الشكل الأدبي لقصائد الشاعر التي تتأرجح بين قصيدة النثر والأقصوصة. كما يتضمّن الكتاب مختارات من مقالات ودراسات نقديّة تناولت تجربة يماني.
يغرف الكتاب بعناية من مجموعات يماني الستّ، قصائد يغلب عليها طابع التكثيف والسرد الشعري، وتتناول بشكل موضوعي الجوانب المجتمعيّة والعاطفيّة والفكريّة التي تعتلج داخل الشاعر وذهنه.
من مقدّمة كاظم جهاد في الكتاب نقرأ: «هي ذي إذَن مرثاة جميلةوأليمة لهؤلاء القتلى في قلب الطبيعة، ما يُذكّر بجنديّ رامبو «النائم في الوادي» وله «في خاصرته اليمنى ثقبان أحمران». لا أثر هنا لأيّ عاطفة أو تصريح بالاكتراث، بل تمارس القصيدة أثرها من خلال الوصف المحض. ومن قال إنّ الوصف لا يكفي ذاته ولا يفجّر العاطفة ممّا وراء الكلمات؟».
أحمد يماني
في مشهد الشعر العربي الحديث، يطلّ اسم أحمد يماني بوصفه واحداً من أبرز الأصوات التي خرجت من مصر التسعينيّة، وخلّف أثراً خاصاً في مسار قصيدة النثر.
وُلد يماني في القاهرة عام 1970، لكنه سرعان ما وجد نفسه، بعد سنوات من التجربة والبحث، في المنفى الاختياري في إسبانيا منذ مطلع الألفيّة، حيث يعيش ويكتب ويعمل في إذاعة «إسبانيا الدولية»، جامعاً بين الثقافة العربية التي وُلد فيها والثقافة الإسبانية التي تبنّته.
من حوزته الشعريّة:
صدرت مجموعته الأولى «شوارع الأبيض والأسود» عام 1995، كعلامة على انتمائه إلى جيل شعري أراد القطيعة مع الخطاب الكبير والمباشر، والبحث عن لغة جديدة أكثر حميميّة وجرأة. تبعها بديوان «تحت شجرة العائلة» (1998)، الذي أضاء طفولة الشاعر وذاكرته العائلية في نصوص تتأرجح بين البساطة والغرابة.
مع ديوان «وردات في الرأس» (دار ميريت للنشر والتوزيع – 2001) تبلورت لغته الخاصة، المتسمة بالقسوة والتشظّي والتجريب الصادم. أمّا ديوانه «أماكن خاطئة» (دار ميريت للنشر والتوزيع – 2008) فيُعتبر محطة مركزية في مسيرته. قصائد الكتاب تجسّد ما وصفه النقّاد بـ«فظاظة شعراء التسعينيات»: لغةٌ حادّة، مشاهد يومية مقلوبة على رأسها، وحس عدميّ يفضح هشاشة الإنسان والواقع. لم يسعَ يماني إلى إرضاء القارئ أو تزيين التجربة، بل إلى هزّها وكسر أفق التوقّع.
من القاهرة إلى مدريد
بعد انتقاله إلى مدريد عام 2001، دخل يماني في تجربة لغويّة وثقافيّة مغايرة، تُوّجت بكتابه الشعري «ملجأ من عظام» (دار أوليفانتي – 2015) المترجم إلى اللغة الإسبانية. إلى جانب الشعر، حاز شهادة الدكتوراه من جامعة «كومبلوتنسي» (مدريد) بأطروحة حول قصيدة النثر العربية، ليصبح أيضاً باحثاً في جماليات الشعر الذي يكتبه.
جوائز وترجمات:
تُرجمت قصائده إلى الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية ولغات أخرى. شارك في أنطولوجيات عالمية عرّفت القارئ الغربي على جيل الشعراء العرب الجدد. حصد عدّة جوائز، من بينها: جائزة «رامبو» (1991)، وفي عام 2010 أُدرج اسمه ضمن قائمة «بيروت 39» كأحد أهم الكتّاب العرب تحت سن الأربعين. وأخيراً، نال جائزة «سركون بولص للشعر والترجمة» (2024)، كتكريم لتجربته التي تجمع بين التجريب اللغوي والانفتاح الثقافي.
أحمد يماني: الشاعر الخام
أحمد يماني شاعرٌ يكتب بلغة متمرّدة، تجرّب وتفكّك وتعيد تركيب الواقع. قصائده هي مرآة مشروخة للعالم، وهي أيضاً مساحة للصدق، إذ لا يختبئ الشاعر خلف البلاغة، بل يقدّم تجربته الخام، والصعبة، والمربكة، بصفاء شعري نادر.