«ساليغيا» تعود رغم أنف الحرب

كتابة فطمة بزّي 

في نهايات العلاقات العاطفيّة، غالباً ما يأتي البُعد القسري كأحد أكثر أشكال الفقد إيلاماً. هكذا تفعل مسرحيّة «ساليغيا» (تأليف وإخراج حمزة عبد الساتر)، إذ تطرح واحداً من أقسى أشكال الفراق: الانسلاخ الوهمي ثم الالتحام باللاشيء، وما يخلّفه ذلك من فراغ هائل يقود إلى مرضٍ نفسيّ، أشبه برثاء للإنسانيّة، قائم على ترجمة الخطايا في خاناتٍ تشبهنا وحدنا. 

يتماهى المُشاهد مع التفاصيل اليوميّة التي يطرحها النص، ويؤدّيها حسن عقّول وفرح ورداني بحساسيّة بالغة. في كلّ خطيئةٍ تطرحها المشهدية، يلتقط الجمهور اللحظة بحدسٍ حاد، فيما تُعزّز جميع عناصر العمل — من حركةٍ وصوتٍ وإحساسٍ وصمتٍ وغير ذلك — التجانس بين الجمهور والعرض. وحين تصمت «رهف»، تتعالى الموسيقى في الخلفية، فيتحوّل المكان إلى معركة يكون الجمهور نفسه بطلها. أمّا «ورد» فيحضر بجسده، ويتحوّل إلى متّكئٍ ومحَرّكٍ ومعاتبٍ وهميّ لرهف، وحقيقيّ لنا. 

يشهد الجمهور على «خطيئة» الكسل، وتحمل كلّ لوحة من المسرحيّة خطيئةً من الخطايا السبع. تعرّي هذه الخطايا الجمهور من حقيقته ووجوده ووهَنه ووجَعه وتعطّشه إلى الحُبّ، فيخسر كلّ شيء، حتى يُدرك في النهاية أنّه لم يخطئ إلا بحقّ نفسه.



انطلقت «ساليغيا» في صيف 2024، لكن مجزرة الـ«بيجر» وقعت، فأُلغيت العروض، ثمّ اشتدّت العدوانات الصهيونيّة، وجاءت الحرب بكلّ خطاياها لتفرض البُعد القسري وتقف في وجه كلّ شيء. 

حين صمتت الحرب قليلاً، عاد عقّول وورداني، والتقيا مجدّداً، واعتليا خشبة المسرح ليواصلا تدريباتهما على «ساليغيا»؛ تلك المسرحيّة التي يلعنان فيها الحرب دون أن يذكراها، وينتقمان فيها من الموت والظلم والتهجير والفراق، فيضحكان ويبكيان ويسخران، حتى يبلغا الذروة في أدائهما كممثلَين، ويُقنعان الجمهور بأنّ «ساليغيا» كُتبت لهما وحدهما. 

عرضٌ يطرح أسمى أنواع الألم الذي يمنعنا إيقاع الحياة في بلادنا من الصراخ به. بعد عامٍ من الصمت، يعود إلى خشبة «استديو لبن» (زيكو هاوس، شارع سبيرز، الحمرا)، ويُعرض يومَي 19 و20 ضمن مهرجان «سطوح الوصل»، الساعة الثامنة والنصف مساءً.