انطفأت شمعة الشاعر والمترجم اللبناني-الفلسطيني إسكندر حبش، مساء أمس عن عمر ناهز الثانية والستين عاماً، بعد معاناة مع المرض. مع انتشار خبر وفاته، عجّت منصّات الأدب والثقافة في لبنان والعالم العربي برسائل الوداع من شعراء وكتّاب ومترجمين رؤوا في الراحل صوتاً شعريّاً نادراً وصديقاً مخلصاً للكتابة والحياة.
وُلد إسكندر حبش في بيروت عام 1963، وبدأ تجربته الأدبيّة في أواخر السبعينيات قبل أن ينخرط في الصحافة الثقافيّة، حيث أشرف لسنوات طويلة على الصفحة الثقافيّة في جريدة «السفير». هناك صاغ صوته النقدي، وكتب مقالاتٍ تجمع بين الذائقة الشعريّة والفكر النقدي الهادئ.
ينتمي حبش إلى الجيل الشعري الذي تفتّح في ثمانينيات لبنان، جيل الحرب والانكسارات، لكنه اختار في شعره لغة الهدوء والتأمّل بدل الصراخ. امتازت قصائده بشفافيّة عالية وبميل إلى التأمل الفلسفي في معنى الوجود، فكتب عن الذات والمدينة والحبّ والعزلة، بلغة خافتة كأنّها تهمس أكثر مما تصرخ.
لم يكن حبش مترجماً بالمعنى التقليدي، بل اعتبر الترجمة شكلاً من أشكال الكتابة الجديدة. نقل إلى العربيّة أصواتاً عالميّة كبيرة من بينها فرناندو بيسوا وأمبرتو إيكو وعتيق رحيمي، مقدّماً نصوصهم بلغة عربيّة تُعيد خلق الأصل لا تكرّره. في مقدّماته وترجماته، كان يذكّر بأن المترجم هو «كاتبٌ في الظلّ»، يعيد للغة العربية حقّها في الحوار مع اللغات الأخرى.
أصدر حبش عدداً من المجموعات الشعريّة التي توثّق تحوّلات تجربته، منها: «بورتريه رجل من معدن» (1988) و«نصف تفّاحة» (1993) و«تلك المدن» (1997) و«لا أمل لي بهذا الصمت» (2009) و«لا شيء أكثر من هذا الثلج» (2013). أمّا في الترجمة، فكان من أبرز أعماله «ألف منزل للحلم» و«الرعب» و«لست ذا شأن» و«نجهل الوجه الذي سيختتمه الموت».
ظلّ إسكندر حبش وفيّاً لبيروت، المدينة التي احتضنته وشكّلته رغم كل ما مرّ بها من خراب. في أحد حواراته قال: «لم أرد أن أكتب عن الحرب من الخارج، بل من داخلها». كان يرى أن البقاء في المدينة ليس مجرّد إقامة جغرافية، بل فعل مقاومة ثقافيّة وجماليّة في وجه الزوال.
برحيله، تفقد الثقافة العربية واحداً من الأصوات التي جمعت بين الشعر والتأمّل والترجمة، وبين الانتماء الصادق إلى الكلمة والمدينة.